أرشيف

ما يريده اليمن

Steven Sotloff – National Interest

تستحوذ المخاوف الاقتصادية على اهتمام اليمنيين، إذ بدأ نفط هذا البلد ينفد… فاليمن لا يتمتع بخيارات كبيرة للنهوض بعد مرحلة النفط، وكذلك، يشتكي اليمنيون في الشارع من التضخم الكبير وارتفاع الأسعار وعجزهم عن شراء ضروريات الحياة، ويعتبرون هذه المخاطر أهم من تنظيم

مع أن محاولة إرسال طرود مليئة بالمتفجرات بالبريد إلى شيكاغو زاحمت انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في أخبار الولايات المتحدة، لم تحظَ هذه المؤامرة، التي أخفقت، باهتمام يُذكر في اليمن، ففيما تركز واشنطن على محاربة المجموعة التابعة لـ»القاعدة» في اليمن، التي يُعتقد أنها وراء هذه المؤامرة، يبدو اليمنيون أكثر قلقاً بشأن الثورة الطائفية في الشمال والحركة الانفصالية في الجنوب، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية التي تشل بلدهم.

لا يعلم معظم اليمنيين أن الطرود التي أثارت مخاوف الولايات المتحدة أتت من بلدهم، لأن حكومة صالح منعت وسائل الإعلام المحلية من تغطية هذه القصة.

علاوة على ذلك، قد تساهم سياسة «توجيه ضربات بواسطة طائرات من دون طيار» التي تعتمدها واشنطن والتي تترافق مع زيارات دبلوماسية وعسكرية عالية المستوى في تنفير الشعب اليمني المتحفز أصلاً ودفعه نحو تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، المجموعة التابعة لـ»القاعدة» التي تسعى إدارة أوباما بدأب إلى القضاء عليها.

يقول مواطن يمني: «يأتي الأميركيون إلى اليمن ويهاجموننا من دون أن يدروا ماذا يحدث، فلا نريد أن نتحول إلى عراق آخر، فهذه حرب أميركية، لا يمنية، ولا نرغب في أن نصبح جزءاً منها».

وأدت وجهات نظر مماثلة إلى كره اليمنيين لحملة أميركية ترددوا في القبول بها في المقام الأول، ورغم ذلك، برز اليمن كجبهة أساسية في الحرب ضد الإرهاب، فقد استغلت «القاعدة» التدابير الأمنية المتساهلة في هذا البلد لتشن عام 2001 هجوماً على المدمرة الأميركية «كول» قبالة ساحل اليمن الجنوبي ووضعت اليمنيين في موقف بالغة الأهمية. وتحاول مجموعة «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» اليوم مواصلة هذه القضية بمهاجمتها السفارة الأميركية في العاصمة صنعاء عام 2008 وإرسالها عمر فاروق عبدالمطلب لتفجير طائرة في الأجواء الأميركية خلال فترة عيد الميلاد السنة الماضية.

دفع تاريخ «القاعدة» الطويل في اليمن وواشنطن إلى إرسال فيض من المسؤولين العامين إلى هذا البلد، على أمل التوصل إلى جهود أفضل لمكافحة الإرهاب. فشجعت رسائل التحذير التي حملوها (فضلاً عن المساعدة العسكرية والتعاون الاستخباراتي والحوافز المالية) حكومة صالح إلى اتخاذ خطوات لكبح لجام «القاعدة في شبه الجزيرة العربية».

لكن تنظيم «القاعدة» ما هو إلا واحدة من مشقات كثيرة يواجهها اليمنيون، ولعل أكثرها إلحاحاً ثورة الحوثيين التي تشتعل منذ ست سنوات في المناطق الشمالية من اليمن. يشكل الحوثيون جزءاً من فرقة شيعية تُعرف بالزيدية، وهم يقاتلون لحمل الحكومة على إعطاء طائفتهم المقموعة بعض الفوائد، فقد تجاهلت الحكومة مناطقهم وسعت إلى تهميشهم بدعمها خصومهم الدينيين، السلفيين.

كذلك، خشي اليمنيون خطأ أن ينهي الحوثيون الحكم الجمهوري ويعيدوا البلد إلى نظام الحكم الذي سبق الثورة، فقد حكمت اليمن آنذاك الإمامة الزيدية التي غالباً ما ترأستها شخصية دينية سياسية.

يعرب يمنيون كثر عن استعدادهم للموت في سبيل درء هذا الخطر عن بلدهم، فقد ساهم تقدم الحوثيين الأخير في بني حشيش، قرية تبعد نحو 24 كيلومتراً عن العاصمة، فضلاً عن صمود الثوار في وجه الجيش السعودي خلال المناوشات الحدودية السنة الماضية، في تعزيز وجهات النظر المغلوطة القائلة إن هجمات قليلة تفصل الثوار عن السيطرة على الدولة.

يتمحور مصدر القلق الآخر، الذي يطغى على «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» في عقول اليمنيين، حول الحركة الجنوبية، فمنذ توحيد شمال اليمن وجنوبه عام 1990، عبر الجنوبيون عن مجموعة واسعة من الشكاوى الاجتماعية والاقتصادية، ولا شك أن تذمرهم هذا مبرر، فهم يشتكون من أن حكومة صالح تحرمهم من المناصب الأمنية والبيروقراطية العالية ولا تمنحهم حصة منصفة من عائدات النفط التي حُققت من آبار في مناطقهم.

بالإضافة إلى ذلك، استحوذت المخاوف الاقتصادية على اهتمام اليمنيين، إذ بدأ نفط هذا البلد ينفد، ولا يتمتع اليمن بخيارات كبيرة للنهوض بعد مرحلة النفط، كذلك، يشتكي اليمنيون في الشارع من التضخم الكبير وارتفاع الأسعار وعجزهم عن شراء ضروريات الحياة.

ذكر مواطن يمني أخيراً: «يشكل الاقتصاد المشكلة الكبرى في اليمن، وهو أساس صراعاتنا، ولا شك أن أدنى ضغط سيؤدي إلى انفجار اليمن لأن الناس لن يتمكنوا من التعامل معه».

يعتبر اليمنيون هذه المخاطر أهم من تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، الذي حرص على ألا يقتل الكثير من المدنيين.

يجسد الإمام الأميركي المولد، أنور العولقي، مخاوف الولايات المتحدة من أن يكون اليمن مرتعاً للإرهاب، فتصور الحكومة الأميركية العولقي كعلامة متطرف متورط في الكثير من مؤامرات «القاعدة» الكبرى، مشيرةً إلى ارتباطه بمطلق النار في قاعدة فورت هود ومفجر يوم عيد الميلاد.

ولكن في مناطق اليمن القبلية الجبلية، يعتبره الناس رجلاً عادياً، خصوصاً أن شريحة كبرى من السكان تشاطره وجهات نظره المعادية للولايات المتحدة، حتى أن معظم اليمنيين لم يسمعوا باسمه البتة.

جريدة الجريدة

زر الذهاب إلى الأعلى